هوس الكتب أو الـ Bibliomania: عندما يتحول الاقتناء إلى اكتناز!

  • منوعات
  • 693 مشاهدة
  • 6-09-2020, 12:11

نبض العراق/ متابعة  
الكتاب، إنه صديق وفي، لا يمل منك حتى وإن مللت أنت منه، لا يجالسك في مرة إلا وأفاض عليك بالعلم والمعرفة، عندما تطوي آخر صفحاته تشعر وكأنك تودع صديق قديم، عاش معك بعض الأيام، لكنه أخذ بيدك إلى أماكن أو ثقافات أخرى.. ربما سيأخذك إلى الفراعنة أو لتحضر إحدى مجالس سقراط، قد يتيح لك السفر للفضاء، كم أنت صديق عزيز أيها الكتاب ولكن ماذا لو تحول حب هذا العزيز إلى ما يعرف بحالة Bibliomania أو “هوس الكتب”؟

هوس الكتب من الاقتناء إلى اكتناز!
الكثير من هواة القراءة يسعون لاقتناء الكتب، لكن قد يتحول هذا الأمر من اقتناء إلى اكتناز، هنا يدق ناقوس الخطر، ونبدأ في مراجعة حساباتنا ومراقبة تصرفاتنا، فمن المحتمل أن يكون هذا ليس مجرد جمع للكتب المفضلة، بل إنه مرض يسمى “Bibliomania – هوس الكتب”!
نظرة سريعة على الماضي


في القرن السابع قبل الميلاد، حكم مملكة اشور ملك يُدعى “آشور نيبال” وأعطى لنفسه لقب “ملك العالم”، ربما لم يبالغ كثيرًا في هذا اللقب، فقد كانت إمبراطوريته هي الأكبر في العالم بالفعل. كان يقضي وقت فراغه بين الكتب، حيث كان عاشقًا للمعرفة. أنشأ آشور نيبال أول مكتبة مفهرسة بشكلٍ منهجي في العالم، وكانت الكتب هي غنيمته المفضلة في الحروب. سعى دائمًا لأن يُضيف أنواعًا مختلفة من الكتب إلى مكتبته، وكان يفرض حماية شديدة على المكتبة، حتى أنه وضع لعنات على الكتب، ليخاف اللصوص من سرقة كتبه. بعد حوالي 2000 عام من تدمير امبراطوريته، وُجدت مكتبة قصره مدفونة تحت الأنقاض عام 1849. وُجد مع الكتب أقدم عمل أدبي في العالم.

بعد إحدى مزادات الكتب خلال فترة الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، قتل راهب أسباني يُدعى “دون فينسنتي” ثمانية من خصومه من أجل الحصول على الكتب. الأكثر غرابة من دافع القتل هو تصريح فينسنتي للمحكمة عندما سُئل عن سبب ارتكابه الجريمة، رد قائلًا: “سيموت كل إنسان عاجلًا أم آجلًا، لكن يجب الحفاظ على الكتب القيّمة”. وحُكم عليه بالإعدام وأُعدم عاجلًا وليس آجلًا. 
في عام 1950، أُتهم “توماس جيفرسون فيتزباتريك” حفيد “توماس جيفرسون” -أحد كبار مؤسسي الولايات المتحدة- بانتهاك قوانين البناء المحلية، بسبب الوزن الزائد لكتبه، فقد كانت كل غرفة في منزله مزدحمة بالكتب، التي يصل وزنها لحوالي 90 طنًا، وهذا يزيد عن الحد الأقصى لحمل المسكن بمقدار ثمانية أضعاف. حتى أنه يُقال أنّ المساحة التي كان يعيش فيها بمنزله تقتصر على المطبخ! 

ويُوصف حب توماس للكتب بأنه سرطانيًا، حتى أنه لا يستطيع التخلي عن أي شيء مطبوعًا عليه. في وقتٍ لاحق، رُفضت التهم الموجهة لتوماس، باعتبار أنّ هذا يعتبر انتهاكًا لخصوصية فيتزباتريك.

في القرن الماضي، فكر رجل يُدعى “ستيفن بلومبرج” من ولاية أوتوموا، في أنّ هناك الكثير من الكتب تحتاج إلى حفظ أفضل من أجل البشرية. ظل ستيفن يسرق الكتب لمدة عقدين من الزمن، حتى بلغ عدد الكتب التي سرقها أكثر من 19000 كتاب من عدة مكتبات ومتاحف يصل عددهم حوالي 300، من مناطق عدة في أمريكا الشمالية وكندا. في عام 1990، قُبض عليه عندما أبلغ عنه زميله، وسلمه لوزارة العدل، مقابل مكافأة 56000 دولار. 


حُكم على ستيفن بالسجن 71 شهرًا، وأُمر بدفع غرامة 200 ألف دولار. أُطلق سراحه بعد أن قضى 4 سنوات ونصف من عقوبته في السجن عام 1995.


كل هذه القصص حقيقية حدثت بالفعل. ليس مع الكتب فقط، بل إنَّ هناك بعض الحالات التي كانت تجمع أشياء أخرى. يبدأ الأمر من عادة طبيعية عند الكثير من البشر وهي جمع أشياء مثيرة للإهتمام. بمرور الوقت تتحول هذه العادة إلى هوس واكتناز قد يكون الاكتناز لأشياءٍ عادية مثل: الصحف أو الحيوانات أو غيرهم، وفي بعض الأحيان يكون لأشياء غريبة للغاية، فقد وُجد أشخاص مكتنزين ميتين بجانب كومات من القمامة. لقد كانوا مهوسين بالقمامة!
هناك حالة نفسية تُسمى هوس الكتب أو جنون الكتب “Bibliomania”. وهو مصطلح يشير إلى الأشخاص الذين يتأثرون باضطرابات تدفعهم لجمع الكتب، حتى وإن لم يهتموا بقراءتها. قد يتطور ذلك الاضطراب إلى مرض عقلي. عادةً ما يشعر المصابون بجنون الكتب، أنهم مجبرون على جمع الكتب، بالرغم من عدم هوسهم بالقراءة نفسها. لا يستطيعون تجاهل الكتب، ويحاولون إخفاء هذا الهوس عن الآخرين قدر الإمكان. 

يرجع الأمر بنسبة كبيرة إلى طفولة المريض، فعادةً ما يتم الربط بين الكتب والطفل الصغير الذي يخاف من فقدانها، فيتولد بداخله شعور يدفعه بمرور الوقت لاقتناء الكتب، فكما ذكرنا أنّ مريض هوس الكتب يشعر وكأنه مجبر على اقتنائها.  

الأعراض

 الكثير منا يجمع الكتب -مثلي- لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ هذا هوس، لذلك ينبغي التفريق بين الهوس والاقتناء عن طريق فهم أعراض المرض. من هذه الأعراض: 


تجميع كميات كبيرة من الكتب، لا تمت بصلة بالموضوعات محل اهتمام الشخص، وقد تجد العديد من النسخ من نفس الكتاب.
تجد الكتب غير منظمة، وتُخزن في أي مكان، سواء في المكتبة الخاصة بالكتب أو على الأرضية أو في أي مساحة فارغة. في هذه الحالة، قد يتسبب حريق لخطأ بسيط في تهديد حياة المريض.
المجموعات الكبيرة من الكتب تتسبب في جعل مكان المعيشة غير صحي.
كثيرًا ما يكون المريض غير مهتم بقراءة الكتب!
يصبح المريض منعزلًا اجتماعيًا عن الناس.

العلاج 


عادةً لا يعرف المريض أنه مُصاب، لذلك لا يفكر في زيارة الطبيب، ويأتي به أحد أقاربه أو أصدقائه، وكثيرًا ما يذهب الطبيب أو المعالج لمنزل المريض، ليفهم الحالة بشكلٍ دقيق. يعتمد علاج هوس الكتب على العلاج السلوكي المعرفي، حيث يُنَبَه المريض إلى أنّ المشكلة عقلية، ويُعطى مجموعة من الإرشادات التي يجب عليه إتباعها للتعامل مع المشكلة.

القراءة ممتعة، لكن زيادة الشيء عن حده، يعكس النتيجة المطلوبة. لا بأس من اقتناء الكتب، لكن كن حذرًا يا صديقي. إنَّ عشق الكتب والقراءة من أنبل أنواع العشق، لأنه عشق عقلي، لكن تطور الأمر ليصبح هوسًا (Bibliomania) ليس جيدًا على الإطلاق.

استطلاع رأي

كيف تشاهد تصميم الموقع