نبض العراق/
في المراحل المبكرة من تقبّل أنك لم ولن تحقق أي إنجاز ذي قيمة في حياتك، قد يكون لديك ما يكفي من الاكتراث بمشاعر الآخرين لتخجل من كونك سبباً في خيبة أملهم، وقد يدفعك هذا لتفادي حتى أقرب الناس إليك، كي لا تجعلهم شهوداً على ما حصل بك وما سيحصل حتماً إن استمريت على نفس المنوال. وقد يجرّك الخوف من مواجهة الآخر إلى الانغلاق على ذاتك لتصير وحيداً، بالإضافة لكونك فاشلاً، وتشعر بتأنيب الضمير تجاه من عرفك في السابق وتفاءل لك بمستقبلٍ باهر؛ فتخجل من مواجهة معلميك أيام المدرسة وعمك وخالتك، اللطيفيْن، اللذين شهدا خطواتك الأولى وجلبا لك الهدايا وأغدقا عليك بالعيديات، تخجل من مواجهتهم بحقيقة أنك لم تحقق أجمل التهاني ولا أحلى الأماني التي كتبوا لك عنها في عيد ميلادك الخامس على ذلك الكرت الأصفر الذي يحمل صورة دب وبالونات، تماماً كما لم تشهد التوفيق المستمر في جميع مراحل حياتك، ولم يسدد الله خطاك، وبقيت تعيش في ظل والديكَ الكرام وتأخذ منهم مصروفاً رغم بلوغك الثلاثين.
لكنك الآن، عزيزي القارئ، رجل طويل عريض، ولا يصح أن تضع الحواجز بينك وبين الآخرين لمجرد أنك كبرت لتصبح أسوأ نسخة ممكنة من نفسك – إلى الآن – وأكبر كابوس بالنسبة لمحبيك؛ فالطفل في داخلك لم يتغير كثيراً وهو لا يزال بحاجة إلى حب هؤلاء الناس، وهداياهم وعيدياتهم. لذلك، نقدم لك الدليل الآتي للاعتزاز بنفسك والمفاخرة بها، وحفظ ماء وجهك أمام الأشخاص العزيزين على قلبك، آملين أن ينجح، وإن لم ينجح؛ فطز، أنتَ تستحق جائزة أصلاً لمواجهة ذاتك، ومن لم يعجبه ذلك فهذه والله مشكلته الخاصة، ولكن جرّب استخدام الدليل على أي حال؛ فكلانا يعلم أنّه ليس لديكَ شيئاً تخسره.
أبهرهم بفلسفتك في الحياة
في المرة القادمة التي تقابل عمك وخالتك، حدثهما عن قراءاتك في الميتافيزيقيا. أخبرهما عن النظريات المتعددة حول ماهية الوقت، وأطلعهما على احتمالية أن يكون المستقبل وهماً بلا أي أساس – تماماً كما أمنياتهما بكونه باهراً، والماضي غير مهم لأنّه انقضى، ما يؤدي إلى دحض أمانيهما فلسفياً على جميع الصُعد؛ فهي أمنية في ماضٍ (غير مهم) حول مستقبل (غير موجود).
يمكنك أيضاً أن تستعرض أمامهما آخر اكتشافاتك حول الوجودية والعدمية واللاأدرية والرواقية؛ اشرح لهما، بلباقة، أنه لا يوجد خير مطلق ولا شر مطلق ولا نجاح مطلق ولا فشل مطلق؛ حدثهما عن إيجادك معنى الحياة أثناء التفكير بالموت، أو كن أقل سوداوية واقنعهما بأن عدم تعلقك بالمال أو الوظيفة أو المسكن لأنها أشياء مادية تذهب وتجيء وستجلب لك التعاسة عند غيابها في حال سمحت لها أن تكون سبباً في سعادتك عند وجودها.
لا بد أنهما سيعجبان بنضجك الفكري عند سماع هذه الأمور، ويفخران بنهمك للمعرفة وحب المطالعة المتطور بشكل ملحوظ منذ كنت طفلاً ترسم على القصص التي كانا يجلبانها لك في كل زيارة، كما سيعيدان النظر في أمنياتهما الساذجة ويجدان أنها كانت فعلاً بلا أي جدوى أو معنى، تماماً كحياتك وحياتهم والحياة عموماً.
تظاهر بنسيانهما
إن لم ترغب بالدخول في نقاش عميق لإثبات أن أسلوب حياتك عبارة عن خيار فلسفي، أو إن لم تكن ملماً بهذه الأمور أساساً وضللت طريقك إلى المستقبل بمحض الصدفة وليس بسبب معضلة وجودية، بإمكانك بكل بساطة التظاهر بنسيان عمك وخالتك – نعم حملق في وجهيهما وكأنك تحاول استحضارهما من ماضٍ بعيد، سيأخذان المسألة على نحو شخصي ويعتقدان أنك أصبحت مهماً ومشغولاً بما يكفي لتخطي الماضي؛ ستستحوذ الفكرة عليهما تماماً بحيث لا يعودان للاكتراث بإجاباتك الركيكة حول الامتحانات التي رسبت بها والجامعة التي طردت منها والعمل الذي لم تجده وسميرة ونهلة وإلهام اللواتي فسخن خطبتهن منك خلال سنة واحدة.
ولمضاعفة عامل الدهشة وتأثيره على العم والخالة، تظاهر بإمعان النظر في التجاعيد على وجهيهما؛ سيكون ذلك كفيلاً بجعلهما يتحسران على الزمان الذي كانا فيه مقريبيْن منك بما يكفي لحضور حفل عيد ميلادك، وسيسرحان بخيالهما في الحفلات التي تفوتهما اليوم وأنت في عز شبابك؛ فهم لا يعلمان أنك تقضي كل عيد ميلاد في السنوات العشر الأخيرة وأنت منبطح في القبو الذي يسكن فيه زميلك بهجت، تحتسيان الكحول والسجائر، هذا عندما لا ينسى عيد ميلادك هو الآخر.
اكتب لهما رسالة
لا بد أن عمك وخالتك أصبحا في منتصف العمر أو أكثر، يعانيان من الوعكات الصحية أو النفسية، وهذه فرصتك لرد جميلهما عليك؛ أرسل لهما علبة شوكولاتة أو باقة أزهار، وأرفق معه بطاقة تتضمن أمنيات بالصحة الجيدة والعمر المديد. هذه اللفتة ستضع حداً لشعورك بالدونية تجاههما، كما أنها ستدفعهما لملاحظة كم هو مزعج أن يتمنى لك أحد أشياء لن تتحقق، وحينها ستتحرر من الإطار الذي رسماه لك وتصبح ملك نفسك، حراً بمستقبلك أو عدمه.
وإن أردت أن تتساوى معهما بالفعل، انتظر عيد ميلاد أحدهما وأرسل معايدة مطبوعة جاهزة تشتريها من محل القرطاسية؛ ستصلهما الرسالة أنك كشفت أمرهما وأنك تعرف أن أمنياتهم لك لم تكن سوى
كلاشيهات مستهلكة، وأنها لم تعن لك كثيراً فقط لمجرد أنهما وضعا عليها توقيع “عمك وخالتك المحبين”، كما كانا يفعلان مع سائر أولاد عماتك وعمومتك، الذين غدوا فاشلين أيضاً بالمناسبة.
كيف تشاهد تصميم الموقع