أخر الأخبار :

عثمان الموصلي.. سيرة التمثال الذي أحرج الإرهاب

  • منوعات
  • 797 مشاهدة
  • 21-08-2020, 14:01

نبض العراق/  البصرة 

مع اجتياح تنظيم داعش لمدينة الموصل في عام 2014، أقدم عناصره على قتل الإنسان وتهديم حضارته وتاريخه، مع تنفيذه المجازر تلو المجازر بحق المدينة التي تعد من المدن التاريخية ذات الحضارة العريقة، وبعد دخوله قام التنظيم الإرهابي بتهديم تمثال الملا عثمان الموصلي، الذي مثل وجوده إحراجاً للتنظيم.

ويعد الموصلي من أعظم الموسيقيين في عصره وألحانه اشتهرت في تركيا وايران والوطن العربي وكردستان، وكان يتكلم عدة لغات وهي الكردية والعربية والتركية والفارسية وعالم في كل تلك اللغات، وعاش في دمشق ومصر وليبيا وتركيا ودهوك والموصل.

في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019 عاد من جديد تمثال الموسيقار الخالد الذكر الملا عثمان الموصلي (1854-1923) في حلّته الجديدة، وفي نفس مكانه السابق مقابل محطة القطارات في أيمن الموصل.

عاد هذا التمثال ليكون شاهدا تاريخيا على أصالة هذه المدينة وأبناءها الذين أبوا إلا أن يُعيدوا وجه مدينتهم الحضاري الى سابق عهده وليثبتوا للعالم أجمع أن هذه المدينة الباسلة هي ينبوع الحضارة والأصالة في كل زمان.

لقد سبق وأن أعاد الباحث الموسيقي المرحوم الدكتور عادل البكري (1930- 2018) الملا عثمان الموصلي إلى الحياة بوصفه أحد رموز مدينة الموصل، بنشره ثلاثة كتب عنه، كان اوله عام 1966.

وفي العام 1973 مرت على وفاة الملا عثمان 50 سنة، وبالتزامن مع هذه المناسبة عرض الدكتور عادل البكري على محافظ نينوى في ذلك الوقت علاء البكري ضرورة إقامة تمثال للملا عثمان في أحد شوارع المدينة بوصفه أحد رموز المدينة. 

قام النحات الراحل فوزي اسماعيل (1935-1986) بإنجاز التمثال في العام ذاته عن أصل مصغر أبدعته أنامل الفنان الكبير الراحل راكان دبدوب (1942-2017)، وأقيم التمثال في المنطقة التي حملت اسمه وهي قبالة محطة قطار الموصل. وبالتزامن مع هذه الاحتفالات تم إقامة عدد من الندوات للتعريف بشخصية الملا عثمان احتضنتها عدد من مناطق غابات الموصل.

لقد تعرض ذلك التمثال الى التدمير خلال فترة احتلال الموصل (1914-2017). وقد أعادت بلدية الموصل الحياة من جديد الى التمثال وذلك بالتعاون مع نحاتي المدينة. وقد قامت الفرق الهندسية والفنية في بلدية الموصل بالتعاون مع فريق من النحاتين عملوا على إعادة نحت ونصب نسخة جديدة لتمثال الموصلي. 

ويشار الى أن النحات المغترب عدنان الموصلي كان قد نحت تمثالا آخر للملا عثمان وذكر أن ذلك التمثال يحمل تفاصيل حقيقة لشخصية الملا بملامح حقيقية لوجهه مع طبيعة الملابس وتنسيق الجسم .

وبالنظر للمكانة الكبيرة التي يحتلها الملا عثمان الموصلي في مختلف الأوساط الرسمية والشعبية العراقية، فقد أوصت الأوساط الرسمية بتشييد تمثال للملا عثمان الموصلي في بغداد بعد إزالته من الموصل من قبل داعش، الى جانب إصدار طابع يحمل اسم وشكل يرمز للملا عثمان الموصلي، واُطلق عليه لقب المعلم الثالث.

وصاحب التمثال الملا عثمان هو شخصية عراقية بامتياز من القرن التاسع عشر، وهو عبقري الزمان, وأسطورة الإنسان، رجل دين وأدب وثقافة، وصحفي من الطراز الأول ومنشد متمكن، وأديب وشاعر وقارئ من أنبل القراء, ومداح أينما ذهب كانت الصدارة له, وأينما حل كانت الريادة له. 

وهو ليس مجرد مغنٍ عابر من المغنين أو منشد من المنشدين، فهو يُعد لدى عارفي فضله أحد أهم عباقرة الغناء العربي في المائة سنة الأخيرة، فهو أستاذ سيد درويش وعبده الحامولي وكامل ألخلعي، وأبو خليل القباني، وواضع أشهر وأجمل الألحان العربية التي ما برحت شديدة الحضور حتى في القرن الحادي والعشرين.

ولد عثمان عبد الله الطحان في الموصل محلّة (باب العراق) سنة 1854 ابناً لسقّاء. وفي صباه أصابه مرض الجدري وأفقده البصر. تكفل برعايته الحاج محمود سليمان العمري وهيأ له من يعلمه العلوم العربية والموسيقى، ثم سافر إلى بغداد وصار المنشد الأول في الحضرة الكيلانية، ثم سافر إلى إسطنبول وعيَّنه السلطان عبد الحميد الثاني رئيساً للمحفل الديني في جامع (آيا صوفيا) ومعلماً للقراء الأتراك. ثم سافر إلى سوريا عام 1906، ثم انتقل إلى مصر وأقام فيها بضعة أشهر. 

وعاد الملا عثمان وأسرته إلى الموصل، ثم استقر في بغداد إلى آخر أيام حياته حيث توفي هناك ودفن في جامع الخفاقين في بغداد واشترك اهلـها بتوديع الراحل العظيم بمأتم عز نظيره وأفاض الشعراء في رثائه وتعداد مواهبه ومآثره الخالدة.

لقد ترك الملا عثمان الموصلي ارثا فنيا ضخما بلغ قرابة الخمسين لحننا متميزا تغنت بها الأجيال ولا زالت، من تلك الألحان: زروني بالسنة مره، قدك المياس يا عمري، فوق النخل فوق، يا أم العيون السود، ربيتك صغيرون حسن، طالعة من بيت أبوها، لغة العرب أذكرينا، أسمر أبوشامة، يا مَنْ لعبتْ بهِ شمولٌ، أغنية ع الروزانا، يا خشوف على المجرية، يا ابن الحمولة، أشقر بشامة، يا عذولي لا تلمني، ليت امي لم تلدني، طولي يا ليلة، دزني وافهم مرامي، البنت الشلبيَّة، عبودي جاي امن النجف، ما أندل دلوني، النوم مُحرَّم على الأجفان، يا صياد السمك، آه يا حلو يا مسليني.

 

استطلاع رأي

كيف تشاهد تصميم الموقع